رقصات صوفية..


.


لم تكن تلك اللحظة لتختلف كثيرا عن اخرى سبقتها..منذ أكثر من 
نصف ساعة..أسرعت الفتاة في خطاها..لم يعد يلحق بها أحد الآن
..رغم ذلك لم تشعر بالأمان
أسرعت في عدوها أكثر فأكثر بينما تلتفت خلفها..و مع دورانها 
..للأمام مرة أخرى ارتطم رأسها بجذع شجرة عملاقة
راحت تدور حول نفسها..كصوفية في أوج تخمرها..مرة،اثنتين،ثلاث
 ثم سقطت جالسة..لامس ظهرها جذع الشجرة من جديد باحثا                                                                                         . عن نقطة ارتكاز..و بسرعة اختفى شعورها بكل ما يحيط بها
وخزات صغيرة..على طول عمودها الفقري..أيادي تمتد فجأة من
! صلب الجذع و تطوقها حوله..واحد،اثنان،ثلاثة..بدأ الدوران
سرت في البداية لدوران الجذع ..ظنت أنه سيحررها من تلك
 الأيادي..و لكنها أخطأت التقدير..فقد كانت شديدة الخشونة،طوقت
 الفتاة بطريقة وحشية..و كأنها تخشى هربها أكثر من الموت 
ذاته..شعرت الفتاة بألم حاد حول عنقها و أسفل صدرها..تلاشت
 قطرات الدم أمام عينيها..فلم تعد ترى سوى صورا مزدوجة تنتهي
 جميعها بثلاث نقاط من الدم! كانت اللوحة لتكون عظيمة لو أن
قطرات الدم لم تنهها..لو أن تلك الأيدي لم ترغمها على البقاء..و لم
 تؤذها على ذاك النحو. كانت الفتاة تقاوم الأيدي و لا تقاوم
 الدوران..اغمضت عينيها عن ذاك المشهد المؤلم و صرخت ملئ
 صوتها..و فجأة..توقف الدوران..اختفت الأيدي..و ضلت البنت في
.. مكانها..مستندة على الجذع
لم تدرك شيئا..حتى أن عليها التساؤل:ما الذي حصل للتو!؟ أهي
 استراحة ما بين الرحلة و الرحلة؟ ام أن تلك الأيادي لن تعود؟
!بلا مقدمات و لا فترات استراحة..تواصل العرض
ها قد عادت الأيادي من جديد..لم ترغب في جعلها تأسرها مرة
..اخرى..و لكن كل شيء كان فعلا مختلفا هذه المرة
..لامست اليد الأولى أسفل جانبها الأيمن..و امتدت بثقة غريبة 
..تنحت تفاصيل جسدها الى أن ارتكزت على كتفها الأيسر 
كانت ببساطة..مختلفة
..راحت الأصابع تنقر أسفل كتف الفتاة بطريقة غريبة
واحد،اثنان،ثلاثة
..ثلاثة،واحد،اثنان
عازف بيانو محترف ينقر أسفل كتفها و يبعث فيه ثقة استمدها من
قوة ألحانه..لم تكن تلك اليد سوى حزام أمان،اهتزت ثقة الفتاة به
ما ان ظهرت اليد الثانية التي استقرت أسفل ظهرها ثم واصلت
 النزول الى أن جعلت الفتاة تبتعد قليلا عن السطح..و تجلس
بكاملها على راحة تلك اليد..ما الذي تفعله هذه الأخرى؟
ثلاثة،اثنان،واحد..ألا تثق بحزامها الآمن؟ هي فعلا لا تعلم ان كانت
 !تثق بالعازف أم لا..و لكنها فقط تشعر بالأمان
بدأ الدوران..أصبح الجذع أكثر لينا..و تناهت الى مسمع الفتاة ألحان
 جديدة..لم تغمض عينيها كما فعلت في الرحلة الأولى..و كأنها
 تشعر بأن سحر تلك الأيدي لن يتوقف عند هذا الحد..
الرحلة الثانية لا تزال في بدايتها ..دوران بطيء تسارع شيئا
 فشيئا..و فجأة ازداد الضغط على الكتف الأيسر..و شعرت الفتاة
 بانثناء ساقيها..نظرت الى الأسفل..و فعلا كانت قد بدأت
في..الارتفاع
الى أين تحملها الأيدي؟ مازالت تشعر بالأمان حتى و هي تبتعد
..عن السطح..و يتسارع الدوران
اختلفت الألوان..المشاهد..و كل شيء..أهذه هي الرحلة التي
 يخشاها الجميع؟ و من أجل تفاديها يقبلون بجميع القيود التي
تفرض عليهم و يمتنعون عن الهرب؟
لن تغمض عينيها..مهما ارتفعت..بدأ العرض الحقيقي..نجوم تتراقص
على ساحة السماء..في حلقات محكمة..يختلط ضوءها شيئا
.. فشيئا لتضحى دوامة لامعة.. ساحرة
أين هي الآن؟         لا تريد أن تعرف
أيمكنها العودة الآن؟  لا يهم
لازالت اليد السفلى ترفعها أكثر..بينما يحميها الحزام أثناء دورانها 
..الجنوني..نظرت الى الأسفل..تراءى كل شيء صغيرا بطريقة
. محتقرة..و فهمت أخيرا لما لم تكن سعيدة هناك
أطلقت يديها و أشاحت بوجهها عن القاع..قد لا تمنح هذه الفرصة
ثانية..لن تفنيها في النظر الى الأسفل..فقط عالم جميل يحيط بها
!الآن..عالم لا يمكن للجميع رؤيته بتلك الروعة..و تلك السرعة
اختفى شعورها بالجذع يسند ظهرها..و لكن الأيدي مازالت
تحملها..من أين تنطلق تلك الأيدي الآن؟ ألم تظهر في البداية من
صلب ذاك الجذع الخشن؟ متى لان و متى اختفى تماما؟ و حمل
معه تلك الأيدي الحامية؟
توقف الدوران..سلمت الفتاة جسدها للهواء..مستلقية و فارجة
 ذراعيها..بانتظار أول تجربة سقوط حر..مخالفة لجميع قواعد
! الفيزياء
دوران جديد..في اتجاه معاكس..و سرعة جنونية قد تكون فاقت
 سرعة الضوء..لا تندم على السقوط الآن..و ان كان ضريبة
 رحلتها..فحتى أثناء السقوط ضلت تشاهد السماء و النجوم في
نفس تلك اللوحة الساحرة..فقط كانت الدوامة تدفعها نحو الأسفل 
..بدلا من ابتلاعها
تباطأت حركة الدوران ما أن اقتربت من السطح..الآن فقط تستطيع
اغلاق عينيها..هل سبقتها الأيادي و ستلتقطها على السطح؟
كان هذا آخر سؤال جال بخاطرها..قبل الارتطام

**مريم                                                                     

Your Reply